الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مسير موسى بن بغا إلى سامرا ومقتل صالح بن وصيف. كان موسى بن بغا غائبا بنواحي الري وأصبهان منذ ولاية المعتز عليها سنة ثلاث وخمسين ومعه مفلح غلام أبي الساج وكانت قبيحة أم المعتز لما رأت اضطراب أموره كتبت إلى موسى قبل أن يفوت في أمره فجاءه كتابها وقد بعث مفلحا لحرب الحسن بن زيد العلوي فحربه بطبرستان فغلبه وأحرق قصوره بآمد وخرج في اتباعه إلى الديلم فكتب إلى موسى بالرجوع لمداهمة من شاء وبينما هو في استقدامه وانتظاره قتل المعتز وبويع المهتدي وبلغ أصحابه ما حواه صالح من أموال المعتز وكتابه وأمه فشرهوا إلى مثل ذلك وأغروا موسى بالمسير إلى سامرا ورجع مفلح من بلاد الديلم إليه وهو بالري فسار نحو سامرا وسمع المهتدي بذلك فكتب إليه بالمقام ويحذره على ما وراءه من العلويين فلم يصغ لذلك وأفحش أصحابه في إساءة الرسل الواصلين بالكتب فكتب بالاعتذار واحتج بما عاينه الرسل وأنه يخشى أن يقتله أصحابه إن عادوا إلى الري وصالح بن وصيف في خلال ذلك يغري به المهتدي وينسبه إلى المعصية والخلاف إلى أن قدم في المحرم سنة ست وخمسين ودخل في التبعية فاختفى صالح بن وصيف ومضى موسى إلى الجوسق والمهتدي جالس للمظالم فأعرض له عن الإذن ساعة ارتاب فيها هو وأصحابه وظنوا أنه ينتظر قدوم صالح بالعساكر ثم أذن لهم فدخلوا وقبضوا على المهتدي وأودعوه دار باجورة وانتهبوا ما كان في الجوسق واستغاث المهتدي بموسى فعطف عليه ثم أخذ عليه العهود والإيمان أن لا يوالي صالحا وأن باطنه وظاهره في موالاتهم سواء فجددوا له البيعة واستبد موسى بالأمر وبعث إلى صالح للمطالبة بما احتجبه من الأموال فلم يوقف له على أثر وأخذوا في البحث عنه وفي آخر المحرم أحضر المهتدي كتابا رفعه إليه سيما الشرابي زعم ان امرأة دفعته إليه وغابت فلم يرها وحضر القواد وقرأه سليمان بن وهب عليهم وهو بخط صالح يذكر ما صار إليه من الأموال وأنه إنما استتر خشية على نفسه وحسما للفتنة وإبقاء على الموالي ولما قرأ الكتاب حثهم المهتدي على الصلح والاتفاق فإتهمه الأتراك بالميل إلى صالح وأنه مطلع على مكانه وطال الكلام بينهم بذلك ثم اجتمعوا من الغد بدار موسى بن بغا داخل الجوسق واتفقوا على خلع المهتدي إلا أخا بابكيال فإنه أبى من ذلك وتهددهم بأنه مفارقهم إلى خراسان واتصل الخبر بالمهتدي فاستدعاه إليه وقد نظف ثيابه وتطيب وتقلد فأرعد وأبرق وتهددهم بالاستماتة ثم حلف لا يعلم مكان صالح وقال لمحمد بن بغا وبابكيال قد حضرتما مع صالح في أمر المعتز وأموال الكتاب وأنتم شركاؤه في ذلك كله وانتشر الخبر في العامة بأنهم أرهقوا وأرادوا خلعه فطفقوا يحاذرون على الدعاء في المساجد والطرقات ويبغون على القواد بغيهم على الخليفة ويرمون الرقاع بذلك في الطرقات ثم إن الموالي بالكرخ والدور دسوا إلى المهتدي أن يبعثوا إليه أخاه أبا القاسم عبد الله بعد أن ركبوا وتحركوا فقالوا لأبي القاسم: بلغنا ما عليه موسى وبابكيال وأصحابهما ونحن شيعة للخليفة فيما يريده وشكوا مع ذلك تأخر أرزاقهم وما صاروا من الاقطاع واالزيادات إلى قوادهم وما أخذه النساء والدخلاء حتى أصحب ذلك كله بالخراج والضياع وكتبوا بذلك إلى المهتدي فأجابهم بالثناء على التشيع له والطاعة والوعد الجميل في الرزق والنظر الجميل في شأن الاقطاعات للقواد والنساء فأفاضوا في الدعاء وأجمعوا على منع الخليفة من الحجر الاستبداد عليه وأن ترجع الرسوم إلى عادتها أيام المستعين على كل عشرة عريف وعلى كل خمسين خليفة وعلى كل مائة قائد وأن تسقط النساء والزيادة في الاقطاع ويوضع العطاء في كل شهرين وكتبوا بذلك إلى المهتدي وأنهم صائرون إلى بابه ليقضي حوائجهم وإن أحد اعترض عليه أخذوا رأسه وإن تعرض له أحد قتلوا موسى بن بغا وبابكيال وما جور فجاء أبو القاسم بالكتاب وقد قعد المهتدي للمظالم وعنده الفقهاء والقضاة والقواد قائمون في مراتبهم فقرأ كتابهم على القواد فاضطربوا وكتب جوابهم بما سألوا وطلب أبو القاسم من القواد أن يبعثوا معه رسولا بالعذر عنهم ففعلوا ومضى أبو القاسم إليهم بكتاب الكتاب وبرسل القواد وأعذارهم فكتبوا إلى المهتدي يطلبون التوقيعات بخط الزيادات ورد الاقطاعات وإخراج الموالي البرانيين من الخاصة ورد الرسوم إلى عاداتها أيام المستعين ومحاسبة موسى بن بغا وصالح بن وصيف على ما عندهم من الأموال ووضع العطاء على كل شهرين وصرف النظر في الجيش إلى بعض إخوته أو قرابته وإخراجه من الموالي وكتبوا بذلك إلى المهتدي والقواد فأجابهم إلى جميع ما سألوه وكتب إليهم موسى بن بغا بالأجابة في شأن صالح والإذن في ظهور فقرؤا الكتابين ووعدوا بالجواب فركب إليهم أبو القاسم واتبعه موسى في ألف وخمسمائة فوقف في طريقهم وجاءهم أبو القاسم فاضطربوا في الجواب ولم يتفقوا فرجع ورد موسى بن بغا فأمرهم المهتدي بالرجوع وأن يتقدم إليهم محمد بن بغا مع أبي القاسم ويدفعوا إليهم كتاب الأمان لصالح بن وصيف وقد كان من طلبتهم أن يكون موسى في مرتبة أبيه وصالح كذلك والجيش في يده وأن يظهر على الأمان فأجيبوا إلى ذلك وافترق الناس إلى الكرخ والدور وسامرا فلما كان من الغد ركب بنو وصيف في جماعة ولبسوا السلاح فنهبوا دواب العامة وعسكروا بسامرا وتعلقوا بأبي القاسم يطلبون صالحا فأنكر المهتدي أن يكون علم بمكانه وقال: إن كان عندهم فليظهروه ثم ركب ابن بغا في القواد ومعه أربعة آلاف فارس وعسكر وافترق والأتراك ولم يظهر للكرخيين ولا لأهل الدور وسامرا في هذا اليوم حركة وجد موسى في طلب صالح ونادى عليه وعثر عليه بعض الغوغاء فجاء به إلى الجوسق والعامة في اتباعه فضربه بعض أصحاب مفلح فقتله وطيف برأسه على قناة وخرج موسى بن بغا لقتال السراة بناحية السن.
|